[الحاكم يشرب النبيذ بإشارة طبيبه ويعيد الملاهي إلى مجلسه]
واستطبّ (بعده) [1] أبا يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن أنسطاس [2]، فأشار عليه بشرب النّبيذ، وذكر له ما فيه من المنافع، فجنح إلى مشورته، وأغضى عمّا كان عليه من النّهي عنه، واستدعى جماعة من المغنّيّين [3] وأصحاب الملاهي إلى مجلسه، وشرب على غنائهم [4] وخلع العذار معهم، وأحسن إليهم، ورجع الحال بالناس إلى ما كانوا عليه في السالف (من بيع الفقّاع والملوكية والطلنيس وسائر الأسماك بغير قشر) [5].
وبعد مدّة مات أبو يعقوب بن أنسطاس الطبيب [6] فرجع عن ذلك
= عليه. وصلت إلينا البشارة بما وهبه الله من عافية الطبيب وبرئه. والله العظيم لقد علل عندنا ما رزقناه نحن من الصحة في جسمنا. أقالك الله العثرة وأعادك إلى أفضل ما عوّدك من صحة الجسم وطيبة النفس وخفض العيش بحوله وقوّته. وخدم منصور هذا بعد العزيز الحاكم ابنه أيضا. واتفق أن عرض لرجل الحاكم عقد زمن ولم يبرأ. فكان ابن مقشّر وغيره من أطباء الخاص المشاركين له يتولّون علاجه فلا يؤثر ذلك إلا شرا في العقد. فأحضر له جرائحيّ يهوديّ كان يرتزق بصناعة مداواة الجراح في غاية الخمول. فلما رأى العقد طرح عليه دواء يابسا فشقّه وشفاه في ثلاثة أيام، فأطلق له الحاكم ألف دينار، وخلع عليه ولقّبه بالحقير النافع، وجعله من أطبّاء الخاص». وانظر عنه: عيون الأنباء 2/ 89. [1] ليست في البريطانية. [2] في البريطانية «نسطاس». [3] كذا، والصحيح «المغنّين». وفي النسخة (س) «المطربين». [4] في طبعة المشرق 192 «غناءهم»، والصحيح ما أثبتناه. [5] ما بين القوسين ساقط من (ب). [6] هو الجرائحيّ اليهوديّ الذي عالج الحاكم، فلقّبه بالحقير النافع. (ابن العبري-تاريخ مختصر الدول-182). وهو في (اتعاظ الحنفا): «يعقوب» وليس «أبا يعقوب». ووفاته سنة 397 هـ. قال المقريزي: «وفيها مات يعقوب بن نسطاس النصراني، طبيب الحاكم، سكران في بركة ماء، فحمل إلى الكنيسة في تابوت، وشقّ به البلد، ثم أعيد إلى داره فدفن بها، وسائر أهل الدولة في جنازته ومعه شموع كثيرة تتّقد، ومداخن عدّة فيها بخور. وكان طبيب وقته عارفا بالطبّ، آية في الحفظ، ما يغنّى له قطّ صوت إلاّ حفظه، ولو غنّاه مائة مغنّ في مجلس واحد لحفظ سائر ما غنّوه به وتكلّم على ألحانها وأشعارها. وكانت له يد في الموسيقا، وانفرد بخدمة الحاكم في الطبّ، فأثرى، وترك زيادة على عشرين ألف دينار عينا، سوى الثياب وغيرها».